Saturday, 18 October 2014

قضايا التحكيم الدولي ضد مصر للدكتور عادل عامر


ن التحكيم الدولي من الملفات الهامة التي يجب التركيز عليها ، حيث تتحمل الشركات والاقتصاد المصري ككل خسائر هائلة عند توقيع تعاقدات مع أطراف خارجية دون الدراية الكافية بالقواعد والقوانين التي تحدد إجراءات وطرق التحكيم الدولي عند حدوث أية منازعات تجارية أو استثمارية مع الطرف الآخر . وضرورة  ضرورة تنظيم دورات تدريبية للإدارات القانونية في الشركات التي تتعامل مع الخارج للتعرف على قواعد التحكيم الدولي وكيفية إبرام التعاقدات والاطلاع على ما يطرأ من جديد في مجال التحكيم الدولي لتجنب الخسائر التي تلحق بالشركات والاقتصاد المصري ككل . أن اللجنة المصرية لغرفة التجارة الدولية تم إنشاؤها بالقرار الجمهوري رقم 136 لسنة 1974 بهدف تمثيل الكيانات الاقتصادية المصرية في الغرفة الدولية وتجمع اتحادات الغرف التجارية والصناعات، الغرف السياحية، البنوك، التأمين، التعاونيات، البنك المركزي، هيئة قناة السويس و''مصر للطيران'' لضمان التمثيل القطاعي والجغرافي المتكامل. أن غرفة التجارة الدولية بباريس هي أكبر منظمة أعمال في العالم ، حيث تجمع كافة دول العالم وتتضمن المحكمة الدولية للتحكيم، اتحاد الغرف العالمي واللجان القطاعية التي تضع أسس التجارة العالمية والإجراءات والتعريفات التجارية والبنكية ونظم الاتصالات والتجارة الإلكترونية والنقل الدولي كما أن لها صفة المراقب بالأمم المتحدة .تزايد عدد القضايا التى رفعها المستثمرون الأجانب ضد مصر فى محافل التحكيم الدولية فى ظل غياب للشفافية حتى إننا لا نستطيع متابعة عدد القضايا التى وصل عدد المعلن عنها حتى اليوم أكثر من 22 قضية قد رفعت من خلال المركز الدولى لفض النزاعات المتعلقة بالاستثمار "جهة تابعة للبنك الدولى" وقد بلغ عدد القضايا التى رفعت ضد مصر بعد ثورة ٢٥ يناير أكثر من سبعة قضايا وتواجه مصر نتيجة هذه القضايا مطالبات بأكثر من 20 مليار دولار سنوياً فى مواجهة المستثمرين الأجانب، ولعل أشهر تلك القضايا قضية "سياج" للاستثمارات السياحية حول أرض طابا والتي تبين قيام الشركة ببيعها لمستثمرين إسرائيليين ليتم اللجوء إلى مركز التحكيم الدولي التابع للبنك الدولي في واشنطن ويصدر حكم بتغريم مصر 300 مليون دولار، ويليه حكم مركز التحكيم الدولي بـ "مدريد" الصادر بتغريم مصر 530 ملايين دولار فى قضية وزارة الطيران المدني وهيئة بريطانية حول مطار "رأس سدر" وما حدث بقضية الهرم أو جنوب الباسفيك بين وزارة السياحة وشركة بريطانية حول هضبة الهرم بعد قيام الجانب المصري بفسخ العقد المبرم ليُصدر حكم تحكيم ضد مصر بمبلغ قدره 36 مليون دولار وبعد تسوية الأمر تم دفع حوالي 19 مليون  جنيه، نهاية بالقضية الأخطر والتى لم يصدر حكم بات بها حتى وقتنا هذا وهى قضايا التحكيم المرفوعة ضد مصر من قبل شركة الكهرباء الإسرائيلية وغاز شرق المتوسط وبعض الشركاء المساهمين فيها، وهم حسين سالم رجل الأعمال "الهارب" ومجموعة ميرهاف الإسرائيلية وشركة إمبال الإسرائيلية ــ الأميركية وشركة بي بي تي التايلندية والتى قد تؤدى إلى الحجز على طائرات مصر للطيران حال هبوطها فى المطارات الخارجية،أيضاً أملاك وأموال الحكومة المصرية في العالم عدا السفارات  إذا لم تستطع الحكومة تسديد المبالغ. ولعل كل ما سبق يؤكد على وجود ثغرة قانونية فى النطاق القانونى لمسألة التحكيم فى مصر رغم كونه وسيلة مستحدثة لحل منازعات الإستثمار بعيداً عن القضاء التقليدى تتفادى ضياع الوقت وتوفر الجهد إلا أن المتوقع من تلك الوسيلة لم يتحقق نتيجة للعديد من الاسباب مما أدى الى عدد من النتائج السلبية التى تهدم منظومة حركة الأموال والإستثمار مما يؤثر على إقتصاد دولة متهالك. وفى سبيل التعرف على الزواية القانونية التى يمثلها التحكيم أن قانون الإستثمار عندما تضمن بين نصوصه الإلتجاء للتحكيم كان ذلك من عوامل حصول مصر علي المراكز الأولي في جذب الاستثمار فى فترة ولكن الأزمة هى طريقة التعاطى مع إعداد المحكمين التى أنتهجت أسلوب يشبه "السبوبة" بعد أن أنتشرت المراكز بشكل عشوائى دون رقابة من وزارة العدل مما أخرج عدد من المحكمين يحملون "كارنيه" محكم دون كفاءة أو قدرة على صياغة عقود وهوما تسبب فى خسارة تلك القضايا فى الوقت الذى لا يتم فيه اللجوء الى أصحاب الخبرة فى المجال، بالإضافة الى أن هناك عامل أخر يتمثل فى تضارب سياسات الإستثمار وقوانين التجارة الدولية وعدم إلمام البعض بالإتفاقات الدولية. فيما أكد مصدر مسئول من وزارة الإستثمار أن الدولة تسعى دوماً لإيجاد حلول لبعض الإشكاليات التى تعوق الإستثمار وفى سبيل ذلك تم إنشاء المحكمة الإقتصادية ومن ثم إقرار التحكيم ضمن قانون الاستثمار كوسيلة لحل النزاعات من أجل الحفاظ على مصالح الوطن، وفيما يخص التحكيم فالحكومة لا تضع معوقات أمام الاستثمار رغم إصرار المستثمرين على تضمين العقود شرط التحكيم وهو ما يتطلب التواصل بين وزارتى العدل والإستثمار من أجل تقنين الأوضاع والعمل على إبراز كوادر قادرة على التصدى للتحديات الإقتصادية المعاصرة. وحول وجهة النظر الاقتصادية أن العديد من العوامل تؤثر فى الحركة الإستثمارية فى مصر مثل المعوقات البيروقراطية التى يصطدم بها المستثمرين الأجانب، تضارب سياسات الإستثمار، وعدم تشجيع الإستثمارات الوطنية وإنما يتم إبعادها بطرق مختلفة عن السوق المحلى والعديد من العوامل التى أضيف إليها مؤخراً "التحكيم الدولى" الذى ثبت من خلال الدعاوى التى يرفعها المستثمرين على مصر وتصدر أحكام بخسرتها نتيجة لعدم وجود كفاءات قادرة على التعامل مع الثغرات التى يضمنها بعض المستثمريين عقودهم بهدف إستغلال الجهل بالإتفاقيات والقوانين لدى القانونيين المصريين والحصول على أموال تعويضات قد تفوق فى بعض الأحيان نسبة ما أستثمر فعلياً فى مصر مما يستتبعه إنتقاص من الموازنة العامة للدولة التى لا تعد قادرة على التعامل مع الشأن الداخلي حتى يتم زيادة أعبائها من أجل استثمارات وهمية. أن التحكيم كوسيلة وكشرط فى العقود لا تأخذ به بعض الدول ومع ذلك فإنها من أكثر الدول جذباً للاستثمار حيث أن المستثمر دوماً ما يبحث عن الأسواق الاقتصادية الأكثر استقرارا، وللعلم فإن السياسة الخاطئة فى التعامل مع التحكيم كبدت العالم العربي خسارة أكثر من 750 قضية تحكيم، بخلاف المشروعات المتوقفة دون حلول حتى اليوم. أن التحكيم كبديل موازى للقضاء أفتقد الثقافة الخاصة بالتحكيم مما لم ينتج عنه فى النهاية إلا نقص فى الكفاءة القانونية، إلى جانب غياب الرقابة والتوعية من جانب وزير العدل أنه فيما يخص قضية شركة "ماليكورب" فقد تم الإلتجاء الى المكتب الكندى بباريس للدفاع عن مصر أمام مركز "الأكسيد" التابع للبنك الدولي والذي طالب كثير من فقهاء القانون بضرورة إعادة النظر فى الخضوع لإختصاصاته، بسبب تهديد أحكامه للمصالح الوطنية ، وهو ما يتم بالفعل فى كثير من الدول العربية التى خسرت أمام هذا المركز عشرات المليارات وهو ما تم بالفعل فى قضية ميناء رأس سدر. ان 90% من قضايا التحكيم الدولي المقامة ضد مصر تتعلق باحكام إلغاء خصخصة الشركات، فى حين لا توجد أية قضية تحكيم فى المشروعات الجديدة التى طرحتها الحكومة للمستثمرين وهو ما يؤشر على تزايد درجة الأمان وقانونية الإجراءات في طرح المشروعات. أن السبب الرئيسى لزيادة قضايا التحكيم الدولي هى الاتفاقيات الاستثمارية الثنائية التى عقدتها مصر مع أكثر من 100 دولة حول العالم، وهى الاتفاقيات التي تنص على اللجوء إلى التحكيم الدولي في حالة الخلاف. وان اتفاقيات الاستثمار الثنائية BIT، وهى اتفاقيات تنظم الاستثمار بين دولتين، هي «الأكثر تكبيلا لقدرة مصر على محاسبة فساد نظام مبارك، وتسبب الانتقاص من قيمة القضاء المصري وأحكامه ببطلان العديد من العقود الفاسدة». فإن المستثمر المصرى يجب أن يحترم القضاء المصري أما المستثمر الأجنبى فلا يحتاج لأن يمر بالمحكمة المحلية، كما حدث فى قضية سياج، حيث قام رجل الأعمال المصري الأصل وجيه سياج برفع دعوى ضد الحكومة المصرية امام التحكيم الدولى مستغلا حصوله على الجنسية الإيطالية واستطاع تكبيد الحكومة تعويضا بلغ أكثر من 400 مليون جنيه. ومن العيوب العديدة للتحكيم الدولي، فمتوسط سنوات التحكيم الدولي تبلغ 3 سنوات و6 أشهر، وهو ما ينفى حجة اللجوء إليها بسبب بطء التقاضى المحلى، وعلى سبيل المثال، استغرقت قضية «سوثيرن باسيفك للعقارات ــ الشرق الأوسط» ضد مصر 7.7 سنوات، هذا بالإضافة لارتفاع تكاليف التقاضى فى التحكيم الدولي حيث دفعت مصر 6 ملايين دولار فى قضية سياج، فى 2009، حتى فى حالة عدم الخسارة فمصر تخسر التكاليف العالية للتقاضى. هذا بالإضافة للتدخل فى السيادة المصرية، فمن الدعاوى المهمة بعد الثورة دعوى شركة فيوليا الفرنسية التى ادعت أن تطبيق الحد الأدنى للأجور فى مصر سيضر باستثماراتها ويمثل خرقا لاتفاقية مصر وفرنسا الثنائية، «على مصر أن تستأذن قبل تعديل سياستها»،. وذكر الانكتاد «مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية» أن أحكام الاستثمار المرتبطة باتفاقيات التجارة الحرة تعوق قدرة الحكومة فى العمل من أجل شعبها وقال الانكتاد إن هناك طفرة فى حالات التحكيم الدولى فى 2012، وأرجع ذلك إلى زيادة عدد الاتفاقيات الثنائية، وقال تقرير المنظمة إن 68% من الدول المتضررة من التحكيم كانت الدول النامية. وتحتل مصر مرتبة مهمة بين الدول النامية «المتضررة من التحكيم الدولي»، لأن مصر هي ثالث دولة في العالم التي تتعرض للتقاضي من مستثمرين أجانب، بعد الأرجنتين وفنزويلا، حيث أعلن المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار أن هناك 22 قضية ضد مصر فى هذا المركز فقط، 11 مستمرة و11 تم الفصل فيها، 2 لصالح مصر و4 لصالح المستثمر الأجنبي، وتم تقسيم المصروفات في باقي القضايا. وبين عامي 2011 و2013 كانت مصر رابع دولة على العالم بـ10 قضايا وفقا لبيانات المركز الدولي.  أنه على الحكومة المصرية أن تحاول بشكل جيد الخروج من مأزق الاتفاقيات الثنائية والتحكيم الدولى وتذكر عددا من الأمثلة الدولية الناجحة فى الخارج، حيث قامت الأرجنتين باستغلال ثغرات قانونية فى هذه الاتفاقيات للامتناع عن تنفيذ الأحكام، وألغت جنوب أفريقيا اتفاقيتها الثنائية معه بلجيكا بعد خسارتها لقضية مع شركة بلجيكية، واستراليا لم تعد تناقش أحكاما متعلقة بتسوية المنازعات الاستثمارية بين المستثمر الاجنبى والدولة فى اتفاقياتها التجارية مع دول أخرى. إن الحكومات المصرية بعد الثورة أصرت على اتباع نهج مبارك فى حماية الاستثمار الأجنبى على حساب الدولة، باستثناء حكومة عصام شرف، التى ألغت وزارة الاستثمار، وأعلن على السلمى نائب رئيس الوزراء وقتها إلغاء برنامج الخصخصة وتشكيل لجنة لمراجعة عقود الشركات التى تم التخلص منها، «مبادرات السلمى كانت الأكثر ثورية، بينما الحكومات الأخرى اتفقت على أن الفساد مقبول فى مصر، بهدف تشجيع الاستثمار. مشكلة خسارة مصر لقضايا التحكيم الدولي وتكبدها لغرامات تصل في أغلب الأحيان إلي ملايين الدولارات ترجع إلي نقص الكوادر والكفاءات والخبرات القانونية والاقتصادية في إبرام العقود التجارية مع الشركات أو الهيئات الأجنبية إلي جانب ضعف القوانين والتشريعات الداخلية وتضارب سياسات الاستثمار في بعض الأحيان مما أدي إلي تكبد مصر خسائر فادحة في كثير من القضايا التي طرحت علي مستوي التحكيم الدولي. أشهر قضايا التحكيم الدولي  قضية شركة سياج للاستثمارات السياحية مع الحكومة المصرية حول السيطرة علي أرض طابا والتي قامت شركة سياج للاستثمارات السياحية ببيعها لعدد من المستثمرين تبين بعد ذلك أن من بينهم إسرائيليين والتي أنهي مركز التحكيم الدولي التابع للبنك الدولي في واشنطن المرافعات في الاتجاه إلي خسارة مصر ودفعها تعويض «300» مليون دولار،  علاوة علي القضية التي كبدت مصر حوالي 530 مليون دولار التي كانت بين وزارة الطيران المدني وبين هيئة بريطانية حصلت علي أحقية بناء مطار في مدينة رأس سدر ولمخالفة الجانب المصري لبنود العقد تم إحالة القضية إلي مركز التحكيم الدولي بمدينة مدريد الاسبانية تم الحجز علي ما يوازي 530 مليون دولار من أموال وزارة الطيران بالبنوك الخارجية لصالح الهيئة البريطانية. ومن هذه القضايا صفقة إطارات السيارات لأحدي الماركات العالمية والتي بعد أن أغرقت السوق المصري بها تبين أنها غير مطابقة للمواصفات ونتيجة للفساد وقف الجانب المصري مكتوف الأيدي ولم يطالب بحقه. أن مصر خسرت 76 قضية عقود إنشاءات خارجية من إجمالي 78 قضية نتيجة عدم وعي الشركات العقارية ببنود العقود واشتراطاتها من بينها قضايا لشركات حكومية وقعت في نفس الأخطاء بل إنها من أكثر الشركات وقوعاً في هذه الأخطاء. أن العقود الحالية تعد بؤراً لفتح باب الفساد وبها الكثير من العيوب والثغرات وعليه فيجب تغييرها، كما يجب أن تحرر العقود باللغتين العربية والانجليزية. إن هناك 3 قضايا تحكيم دولى مرفوعة ضد مصر من كابتن قبطان أسامة الشريف أردنى الجنسية بقيمه 490 مليون دولار، أن القضية الأولى تتعلق بعقد إنشاء المراكز الجمركية اللوجستية بموانى ومطارات مصر، والثانية بشأن محطة الصب السائل الخاصة بالمنتجات البترولية فى ميناء شرق بورسعيد، والثالثة خاصة بعقد امتياز إنشاء أنابيب تخزين غاز البترول بميناء السخنة، أن المدعى طلب تعويضا فى هذه القضايا يقدر 490 بمليون دولار. مشروع سياج.. مليكورب.. وينا.. هضبة الهرم.. وغيرها كلها نماذج لقضايا تحكيم خسرت فيها الحكومة المصرية ملايين الدولارات خلال السنوات القليلة الماضية أن عدم الحرفية القانونية في إبرام العقود التجارية بين الطرف المصري والآخر الأجنبي علي المستوي العالمي أحد الأسباب الرئيسية في خسارة هذه القضايا إلي جانب نقص الكفاءات أو عدم الاستعانة بهم إن وجدوا. إن المنطقة أخذت شوطاً كبيراً في مجال التحكيم علي المستوي العالمي في حين بدأت مصر هذا الموضوع في عام 1966 ومنصوص عليه في المواد من 50 إلي 511 من أحكام قانون المرافعات ولكنها تفيد قضايا التحكيم الإداري وكيفية الإجراءات والتحكيم وما إلي ذلك. أن الإشكالية تكمن في أن معظم الهيئات الأجنبية تصدر في عقودها مع الجانب المصري دائماً شرط التحكيم الدولي كبند أساسي في العقد ونظراً لحداثته في مصر، فصاحب الحق دائما يكون الممثل الأجنبي وخير دليل علي ضعف الجانب المصري في هذه القضايا ما حدث في قضية الهرم أو جنوب الباسفيك والتي كانت بين وزارة السياحة وشركة بريطانية والمكلفة ببناء شاليهات حول هضبة الهرم وبعد أن قامت هذه الشركة بإحضار جميع معداتها والبدء في إجراءات التنفيذ قام الجانب المصري بفسخ العقد المبرم مما كبد مصر مبلغا قدره 36 مليون دولار بعد اللجوء لعملية التحكيم وبعد تسوية الأمر تم دفع حوالي 18 مليون فعلياً. إن لحداثة ظاهرة التحكيم خاصة في ظل ظهور اتفاقيات تجارية دولية كثيرة مع منظمة التجارة العالمية مثل الجات والكويز يمكن أن تكون سبباً وراء ذلك ولكن يجب أن نعترف بضعف مستوي الكوادر وتضارب القوانين الخاصة بالتجارة الدولية وعدم تناسقها، فهناك قانون يضارب آخر وهنا ندخل في مصيدة الخطأ ونخسر هذه القضايا كما يعاب علي مصر أنها بلد طاردة للاستثمار بسبب عدم تناسق السياسات وعدم وجود توجهات واستراتيجيات ثابتة في التعامل التجاري الدولي أن مصر ليس بها نقص كوادر أو كفاءات قانونية واقتصادية بل علي العكس فهي زاخرة بكفاءات علي مستوي عال في مجال التحكيم الدولي، وهناك كثير من الدول العربية استعانت بمحكمين مصريين بناء علي سمعة مصر الطيبة في مجال التحكيم الدولي، كما أننا يجب أن نفرق بين التحكيم الدولي العام وهو المتعلق بقضايا مصرية مع دولة أخري مثل قضية طابا والتحكيم الدولي الخاص الذي يكون بين مصر واحدي الشركات العالمية أو بين شركة مصرية وأخري أجنبية. عد مرور 36 عاما بالرغم من توقيع مصر علي معاهدة نيويورك للتحكيم الدولي التي وضعت عام 1958 إلا أنها لم تفكر في وضع قانون خاص بهذا التحكيم إلا بعد مرور 36 عاما وهو القانون 27 لسنة 1994 وظل غير مفعل لعدة سنوات حتى بدأ إنشاء مراكز للتحكيم وصلت الآن إلي أكثر من ألف مركز تختلف فيما بينها من حيث القوة والفعالية. ويلجأ إلي هذا النوع من التحكيم من يريد سرعة التقاضي، خاصة أن بعض القضايا قد تمر عليها عدة سنوات في المحاكم حتى يتم الحكم فيها وهو ما يكبد المتنازعين أموالا طائلة. - في البداية ما هو التحكيم؟ ببساطة شديدة هو اتفاق الأطراف المتنازعة في مسألة معينة علي إخضاع نزاعهم إلي طرف ثالث يختارونه لحسم هذا النزاع بقرار يلزمهم. وما الفارق بينه وبين القضاء العادي؟ القضاء العادي هو احد سلطات الدولة العامة. والقاضي موظف عام له ولاية قضائية دائمة تقوم مهمته علي إصدار أحكام قضائية ويتقاضي راتبا من الدولة عن عمله ولا يتقاضي أجراً من الخصوم. أما التحكيم فهو اتفاق ينشأ بمقتضاه نظام إجرائي قضائي مؤقت مقصور علي نزاع معين بنطاق محدد يقوم عليه شخص عادي له ولاية قضائية مؤقتة تنتهي بإصدار الحكم المنوط به إصداره ويأخذ أجره ممن يصدر ضده الحكم. - ومن أين جاءت فكرة التحكيم؟ لما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية كسادا اقتصاديا هائلا عام 1958 كانت القضايا المتنازع عليها خاصة التجارية والمالية تستغرق وقتا طويلا ففكروا في التحكيم فكانت معاهدة نيويورك لعام 58 وتنص علي أن كل الدول الموقعة يتم تطبيق التحكيم علي أراضيها في منازعات الاستثمار وكان من تلك الدول مصر والسعودية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. وبعدها تم عمل اتفاقية باريس للتحكيم عام علي أن يكون لها مركز إقليمي خاص بها1961. - ومتى يلجأ الطرفان إلي التحكيم؟ التحكيم مبني علي الاتفاق والتراضي فعند توقيع اتفاقية تجارية أو استثمارية أو غيرها بين طرفين فإنهما ينصان في العقد علي اللجوء عند النزاع إلي التحكيم وهذا يعني أن يد القضاء غلت. ويكون التحكيم دوليا إذا كان أحد المتنازعين أجنبيا. والتحكيم يسمي القضاء الخاص ويكون أجر المحكم علي الشريكين بالتساوي لحين الفصل في الدعوي ثم يتحمله المحكوم ضده. وللطرفين الاتفاق علي كل شيء حتى المكان الذي يتم التحكيم فيه وعدد من يقوم بالتحكيم بشرط أن يكون عدداً فرديا. ولأحد المتنازعين الحق في رد هيئة التحكيم ولا تتجاوز قضية التحكيم إثني عشر شهرا إلا باتفاق الطرفين، ويكون حكم التحكيم ملزما ولا يجوز الطعن عليه. - وما أهم مميزات التحكيم؟ يتميز التحكيم عن القضاء العادي بأنه وسيلة سهلة وسريعة لفض المنازعات لذا يطلق عليه العدالة الناجزة، وبعد الفصل في الدعوي يتم إخطار أقرب محكمة ابتدائية للتنفيذ الفوري. ويتميز التحكيم والتحكيم التجاري علي وجه الخصوص في مواجهة القضاء الوطني بالمرونة والموضوعية ويستند إلي السرية والخصوصية في تناول المسائل محل النزاع، كما يتصف بالحياد وتوافر الثقة والطمأنينة. - وهل يكون التحكيم الدولي إجبارياً أم اختيارياً؟ قد يكون اختياريا، أو إجباريا. والفارق بينهما أن الدولة التي تقبل بالتحكيم الاختياري غير مجبرة علي عرض نزاعها أمام أي جهة دولية لتسويته، بل يكون لها مطلق الحق في قبول أمر ذلك التحكيم أو رفضه. أما التحكيم الإجباري فيمكن رده في حالة موافقة الدولة علي الاتفاقيات الخاصة أو بمقتضي نص في اتفاقية عامة، أي المصادقة والقبول بالاتفاقيات الثنائية بين الدول أو تلك الاتفاقيات الدولية التي تدخل الدولة في إطار الإجبار علي التحكيم متي حدث نزاع بينها وبين دولة أخري وقعت علي تلك الاتفاقيات. ومن أشهر الاتفاقيات الدولية تلك التي جاءت بمؤتمر لاهاي 1899 والتي شجعت مبدأ التسوية السلمية للنزاعات الدولية. - وما الفارق بين التحكيم التجاري والدولي؟ قد يكون التحكيم دولياً من خلال نزاع دولي كتحكيمات الحدود ومن أبرزها تحكيم طابا بين مصر وإسرائيل، والتحكيم الذي حدث بين الهند وباكستان بشأن إقليم كوتش، وتحكيم جزر حنيش بين اليمن واريتريا. أما التحكيم الذي يعني بالعقود والمعاملات الدولية فيسمي بالتحكيم التجاري ويدخل في إطار القانون المحلي أو الدولي الخاص، وكذلك القوانين التجارية الدولية أو قوانين الأعمال الدولية. وقد عرّفت المادة 36 من اتفاقية لاهاي الثانية 1907 التحكيم بأنه تسوية للنزاعات بين الدول بواسطة قضاة من اختيارهم وعلي أساس من احترام القانون. - وما أهم مراكز التحكيم التجاري الدولية؟ أشهرها: مركز التحكيم الدائم في جنيف، ومركز تحكيم لندن، ومركز التوفيق والتحكيم للغرف التجارية والعربية والأوروبية، ومركز تحكيم القاهرة الإقليمي. - ومتي يكون التحكيم وطنياً؟ يكون التحكيم وطنياً إذا كان أطرافه ينتمون إلي دولة واحدة، أما إذا كان أحد أطرافه أجنبياً فيكون التحكيم أجنبياً. وطبقا لاتفاقية نيويورك فإن التحكيم يكون أجنبياً أو وطنياً بالنظر إلي ارتباط التحكيم بصدور قرار المحكمين، أي إنه إذا صدر قرار المحكمين في غير الدولة المراد تنفيذ الحكم علي إقليمها يكون التحكيم أجنبياً، لكن اتفاقية جنيف للتحكيم الدولي المبرمة في 1961 تري أن التحكيم الأجنبي مرتبط بمراكز إقامة الأطراف المتنازعة. وقد حسمت فكرة صفة التحكيم بواسطة اتفاقية الأمم المتحدة للتحكيم التجاري المبرمة في 1985م التي اعتبرت التحكيم الأجنبي في حالة ما إذا كان الطرفان المتنازعان يقيمان في دولتين مختلفتين وقت تحرير اتفاقية التحكيم. ويعد التحكيم دولياً إذا تعلق موضوعه بمصالح تجارية دولية دون النظر إلي مكان التحكيم أو جنسية الأطراف. - ولماذا تأخرت مصر في دخول هذا المجال حتى عام 94؟ هذا أمر مؤسف للغاية لأن السادة المسئولين المحسوبين علي النظام السابق احتقروه، لكن الأكثر دهشة أننا بعد وضع قانون للتحكيم في عام 94 ظل لعدة سنوات غير مفعل بدليل تعرضنا لحوالي 76 قضية تحكيم دولية لم نكسب منها سوي قضيتين إحداهما طابا بينما خسرنا 74 قضية أبرزها قضية سياج. - وهل التحكيم في مصر مستقل عن وزارة العدل؟ لا. بل يتبع وزارة العدل وله قائمة بالمستشارين المعتمدين. - وما سلبيات مراكز التحكيم في مصر؟ أهم السلبيات أن كثيرا منها لا تقوم بالإعداد الجيد لمستشاري التحكيم، بل هدفها الأساس هو تحقيق الربح المادي بعقد دورات ضعيفة المستوي لا تؤهل المدربين بالشكل الأمثل. إن عدد قضايا التحكيم الدولي، المرفوعة ضد مصر حاليا، تصل إلى 31 قضية تحكيم دولية من المستثمرين الأجانب والعرب تبلغ قيمتها المالية ما يزيد على 100 مليار دولار. وتعد قضية وجيه سياج، أبرز قضايا التحكيم الدولي، التي حكم على مصر فيها بتعويض قدره ‏135‏ مليون دولار أى ما يعادل نحو 800‏ مليون جنيه مصري، يزيد من ذلك، أن مركز التحكيم الدولي يكبد الدول المتقاعسة عن السداد غرامات التأخير والتي تبلغ ‏9%‏ كل ثلاثة أشهر أي ما يعادل نحو ‏36%‏ سنويا. في ظل ارتفاع عدد دعاوى التحكيم الدولي المرفوعة ضد مصر، عاد من جديد الحديث عن قضايا المستثمرين الأجانب ضد مصر التي باتت تقدر بنحو 35 مليار دولار، وذلك نتيجة إلغاء قرارات الخصخصة، الأمر الذي أثار جدلاً بين الأوساط الاقتصادية خاصة أن هذا الأمر يؤكد أن الحكومة ستواجه صعوبات بالغة فى اجتذاب الاستثمارات للسوق المصري خلال الفترة المقبلة. أن الحكومة ستكون فى ورطة حقيقية إذا نجح المستثمرون فى كسب الدعاوى القضائية مادام لم يتم إثبات تورطهم فى شبهة الفساد التى أكدتها الأحكام القضائية ، أن الكارثة ليست فى الدعاوى القضائية وإنما فى استرداد الحكومة لشركات وإعادتها للقطاع العام ولكن دون الاستفادة منها وإعادة تشغيلها إذ ان عدد المصانع المتوقفة عن العمل تتزايد يوماً عن يوم. أن حكومة الدكتور حازم الببلاوى فى أزمة حقيقية جراء تزايد عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد مصر، لان عدد الدعاوى التى رفعها المستثمرون الأجانب تبلغ نحو 30 قضية، يتم النظر لنحو 15 قضية منها خلال هذه الأيام وتطالب الحكومة بسداد 16 مليار دولار من أبرز الشركات التى قامت برفع دعاوى تحكيم دولى ضد مصر ، وشركة « كوروب إنترناشيونال»، وشركة « إتش أند أتش» ، وشركة « فينوسا»، وشركة» ميناء السخنة»، وشركة» فيولا» ،» وشركة «الفطيم» الإماراتية، وشركة « أجريوم»، وشركة « أومو نيتسوا»، وشركة « داماك»، وشركة « أوتش» الألمانية. أن لجوء حكومة الدكتور حازم الببلاوى لتسوية خلافاتها مع المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب سيعود بالفائدة على الاقتصاد المصرى خاصة وأنه سيؤدى لطمأنة جميع المستثمرين الذين يرغبون فى استثمار أموالهم فى ممصر، فضلاً عن أنه سيساهم فى عودة الاستثمارات العربية والأجنبية من جديد للسوق المصري. أن المستثمرين الأجانب إذا نجحوا فى كسب الدعاوى القضائية الخاصة بهم، فهذا الأمر ينذر بكارثة حقيقية لمصر خاصة وأن الوضع المالى لا يسمح على الإطلاق بسداد مليم من مستحقات المستثمرين الأجانب، لذا لابد على حكومة الببلاوى أن تقوم على الفور بالتصالح مع المستثمرين الأجانب وإرضائهم ، قبل أن تنقلب الأوضاع ولا تأتى فى صالح مصر، وهذا الأمر لن يتم سوى عن طريق منح هؤلاء المستثمرين الأجانب أراضى بأسعار تلائمهم وبتكلفة عادلة لإقامة مشاريع جديدة عليها مقابل سحب الدعاوى القضائية، بجانب منح تسهيلات للمستثمرين الذين يستثمرواً أموالهم فى مشروعات فى المناطق الحرة إذ أن هذا الأمر سيكون بداية الطريق لعودة الاستثمارات وإنقاذ الاقتصاد المصري من أزمة مقبلة. أن توالى الأحكام القضائية ببطلان خصخصة الشركات التى تم بيعها خلال عهد مبارك، بات هو العقبة الحالية أمام وزير الاستثمار فى التعامل مع المستثمرين الأجانب وبات بمثابة عقبة أو ما يشبه أزمة ثقة للمستثمرين العرب فى ضخ  أية استثمارات جديدة للسوق المصري، الامر الذى يؤدى إلى ضعف حركة الاستثمارات الاجنبية. أن من أبرز الشركات الأجنبية التى تضررت من إلغاء بطلان عمليات الخصخصة شركة أندوراما الأجنبية التى قامت برفع دعوى تحكيم دولى جراء إلغاء خصخصة شركة غزل شبين الكوم، وكذلك شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز «إى أم جي»، وكذلك رجل الأعمال الإماراتى حسين سيجواني، صاحب شركة «داماك»، أن الحكومة لابد أن تسعى لضمان حقوق المستثمرين التى ضاعت جراء إلغاء التعاقدات التى تم إبرامها لامتلاك وإدارة الشركات، لان المستثمرين الأجانب لجأوا للتحكيم الدولي بعد إلغاء عقود الشركات التى تم خصخصتها من قبل بأحكام قضائية، وذلك لأن الحكومة المصرية تخضع للتحكيم الدولي بموجب الاتفاقيات الدولية، لذا لابد من أن تبذل الحكومة قصارى جهدها من أجل ضمان استقرار الوضع الداخلي بشأن الاستثمارات الأجنبية ، وذلك ضماناً لعودة الاستثمارات الأجنبية وكذلك العربية من جديد للسوق المصري. حكم يصدر فى إطار المركز الإقليمي للتحكيم بالقاهرة وهو الحكم الصادر فى 7 يوليو سنة 1985 بالقاهرة فى النزاع بين شركة نمساوية ووزير الزراعة المصرى. ويتعلق النزاع باتفاق مقاولة مبرم فى 27 مايو سنة 1982 بين الشركة ووزير الزراعة ، مؤادة قيام الشركة بعمليات رش القطن بالطائرات لمواسم سنة 1984،1983،1982 .وأثناء قيام أحد طيارى الشركة فى 9 سبتمبر سنة 1983 من مطار أسيوط ،فوجىء بسيارة بها مدير زراعة أسيوط تقطع ممر المطار بالعرض ، فحاول تفادى الحادث بالتخلص من حمولة الطائرة من المبيدات فأدى ذلك لصعود الطائرة بحدة ثم سقوطها فى حقل على يسار المهبط ، وتحطمت بالكامل وأصيب الطيار . فطالبت الشركة وزير الزراعة بالتعويض ، بسبب خطأ تابعى الوزراة الذى أحدث الأضرار المادية التى لحقت بالشركة ، وتتمثل فى تحطيم الطائرة ، وفيما فاتها من كسب بسبب حرمانها من استغلال الطائر ة فى عمليات الرش عن المدة من 9/9/1985 حتى 25/9/1985وهو تاريخ انتهاء العقد ، وفيما فاتها من كسب لعدم استغلال الطائرة فى الرش بجمهورية السودان وفقاً لعقد مبرم فى 20يوليو سنة 1983 . وأسندت فى ذلك إلى أن وزارة الزراعة قد أخلت - بخطأ تابعيها - بإلتزام تعاقدى هو مسئوليتها عن تأمين سلامة مهبط الطائرة ضد دخول الأفراد والعربات . وقد دفع وزير الزراعة بأن الوزارة ليست مسئولة عن تأمين سلامة المهبط ضد دخول الأفراد والمركبات وفقاً لعقد المقاولة ، وإنما تلتزم فحسب بتحذير الأهالى بالابتعاد أثناء عمليات الرش الجوى للحق وأن الشركة هى التى أخطأت ؛ إذ لم يتأكد الطيار من خلو الممر من العوائق عند سيره بالطائرة على الممر ، كما أن الشركة سمحت للطائرة بالطيران رغم عدم ملاءمة الأحوال الجوية يوم الحادث لإجراء عمليات الرش ولأسباب أخرى أدت لوقوع الحادث . ولما كان طرفا العقد قد اتفقا على حل منازعتهما وفقاً لقواعد مركز القاهرة الإقليمى للتحكيم . وفوض الطرفان مدير المركز فى تعيين محكم فرد . وفعلاً قرر فى 9/9/1984 تعيين د . فتحي عبد الصبور محكماً وحيداً في الدعوى . الذي طبق على إجراءات التحكيم القواعد التى يطبقها المركز UNCITRAL. . فإذا كانت هيئة التحكيم قد صرحت بتطبيق القانون الدولي العام بالنسبة لمسائل الإجراءات ، فهي لم تصل لنتيجة مختلفة عن ذلك بالنسبة لموضوع النزاع . شكل قسم المنازعات الخارجية بهيئة قضايا الدولة هيئة تحكيم لإعداد مذكرات دفاع بعد أن أقامت شركة "اوتش" للوحات المعدنية دعوى تحكيمية أمام المركز الدولى لفض المنازعات الاستثمارية "أكسيد" بواشنطن، ضد مصر، مطالبة بالتعويض المالى عن الأضرار التى لحقتها جراء فسخ العقد المبرم بينها وبين الحكومة المصرية لتوريد لوحات معدنية خاصة بأرقام السيارات داخل الدولة. وحتى الآن لم يتم تحديد قيمة التعويض الذي تطالب به الشركة ضمن ما ورد بإخطار التحكيم المرسل لمصر وقد احتفظت الشركة المحتكمة "اوتش" بحقها فى تحديد إجمالي التعويض المطلوب فى مذكرات لاحقة أمام التحكيم. الجديد بالذكر أن محكمة الجنايات كانت أصدرت حكما فى عام 2011 بحبس أحمد نظيف وصاحب شركة "اوتش" سنة مع إيقاف التنفيذ والسجن 10 سنوات لوزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى بالسجن 5 سنوات وألزمتهم برد مبلغ 92 مليون جنيه للدولة وتغريمهم مبلغا مساويا. كنا نتوقع أن يلجأ بعض المستثمرين العقاريين للمحاكم الدولية للقفز على أحكام القضاء المصرى ومحاولة الاحتفاظ بما استولوا عليه من أراض قبل ثورة يناير بطرق غير مشروعة أو ابتزاز الدولة المصرية، وبالفعل صدقت توقعاتنا، حيث أكد حسين السجواني رئيس شركة داماك العقارية فى تصريحات صحفية أنه فوض مستشارا قانونيا دوليا لرفع طلب تحكيم دولي ضد مصر إلى المركز الدولي، بعد الحكم الصادر ضده بالسجن خمس سنوات لتورطه في عملية شراء30 مليون متر مربع في منطقة خليج جمشا على ساحل البحر الأحمر بطرق غير مشروعة، وهو ما اعتبره سجوانى حكما سياسيا، نافيا وجود دليل واحد على ارتكابه أي مخالفة قانونية. حولها شبهات الاستيلاء علي أراضي مصر إلي اللجوء للتحكيم الدولي بشأن عقود الأراضي التي حصلت عليها في ظل الفترات السابقة التي كان يخيم عليها حالة من عدم الشفافية، أن احتمالية لجوء «الفطيم » إلي ذلك التحكيم بسبب أرض مشروع فيستفال سيتي بالتجمع الخامس ربما يعتبر حالة خاصة، لأن هذه الأرض سبق وتم سحبها ثم تصالحت عليها الفطيم مع الدولة، بدفع مبلغ قدره حوالي 420 مليون جنيه مصري، وذلك نهاية العام الماضي وقبل قيام الثورة ليعاد بيع المتر بمبلغ 1500 جنيه بدلا من 150 جنيها، ويقدر الجوهري سعر المتر الآن بتلك الأرض بحوالي 3آلاف جنيه، ولكن بعد المصالحة التي تمت لم يتبق ما يفصل في الأمر سوى بنود العقد الذي وقعته الشركة. ونفي الجوهري مزاعم بعض الشركات بأن ما يجري معها من ملاحقات هو مجرد تصفية حساب مع النظام السابق ومجرد موقف سلبي من وزير الإسكان السابق أحمد المغربي، مؤكدا أنه لا يوجد عداء شخصي بين الحكومة وهيئة المجتمعات العمرانية من ناحية وبين المستثمرين الأجانب من ناحية أخري، وأنه لا مجال للزعم بأن ما يتم هو تصفية حسابات لعدم وجود صلة مباشرة بين هذه الشركات والوزير السابق يمكن أن يضار بها. إن اللجوء للمحاكم الدولية يجب أن يسبقه محاكمة محلية أولا ثم اللجوء للتحكيم الدولي إذا رأوا أن الحكم– إنه من حق أي مستثمر أجنبي وقع عليه ضرر أن يلجأ لمقاضاة مصر دوليا، ولكن العبرة في النهاية بالنتائج وما إذا كانت هذه الشركات محقة في دعواها أم لا، وأنه في حالة وجود شبهة فساد في التعاقد سوف ينصف التحكيم الدولي مصر، أما إذا كانت للشركات الأجنبية التي لها مشاريع في مصر حق ووقع عليها ضرر فالمهم هو تحقيق العدالة. ، وهو ما أثار التساؤلات حول سبب استمرار خسارة الجانب المصرى فى هذه القضايا، البعض قال إن السبب هو نقص الكوادر القانونية القادرة على التعامل مع هذه القضايا، والبعض الآخر نفى ذلك وأكد كفاءة رجال القانون المصريين، فى حين اتهم آخرون ضعف القوانين المحلية وتضارب السياسات الاستثمارية إلى جانب الفساد الإدارى، بأنها أهم العوامل التى مكنت رجال الأعمال الأجانب من الحصول على أحكام لم يكونوا يستطيعون الحصول عليها إذا وجدت قوانين تحمى المصالح القومية. قضية شركة سياج للاستثمارات السياحية مع الحكومة حول السيطرة على أرض طابا، من أشهر قضايا التحكيم التى تشغل الرأى العام هذه الأيام، والتى أنهى مركز التحكيم الدولى التابع للبنك الدولى "أكسيد" فى واشنطن الحكم فيها بتغريم مصر 74 مليون دولار، بالإضافة إلى 60 مليون دولار أخرى كمصاريف، والمجموع 134 مليون دولار توازى نحو 750 مليون جنيه. ان المرافعات تتجه إلي إدانة مصر بسبب العديد من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المصرية لنزع الأراضي بعد بيعها لشركة سياج للاستثمارات السياحية وإدارة الفنادق، والتي يمتلكها «وجيه إيلاي جورج سياج» وقالت المصادر إنه من المنتظر صدور حكم بالإدانة ضد مصر وهو ما يلزم الحكومة بدفع تعويضات تزيد علي 300 مليون دولار لشركة سياج، رغم أن إجمالي الصفقة يقل عن ذلك بكثير، لأن سعر بيع متر الأرض لم يتجاوز 50 جنيهاً. وأوضحت المصادر أن دفاع الشركة استند بالدرجة الأساسية إلي توقيع الحكومة المصرية مايزيد علي 90 اتفاقية دولية خاصة بالاستثمار علي أرض مصر.. في الوقت الذي لم توقع الولايات المتحدة علي أكثر من 45 اتفاقية دولية بهذا الخصوص، وهو ما أضعف قدرة الطرف المصري علي الدفاع، الذي دفع بحجة خطر استثمار شركة سياج في منطقة طابا علي الأمن القومي. وكشف دفاع مصر في مرافعته أن وجيه سياج تعاقد مع شركة تسويق إسرائيلية عام 1994 دون علم الحكومة المصرية تحت زعم أن العقد يستهدف ضمان التدفق السياحي. وأضاف الدفاع أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، وأن السبب الرئيسي الذي دفع الحكومة المصرية ممثلة في ممدوح البلتاجي ـ وزير السياحة المصرية آنذاك ـ لإلغاء العقد عام 1995 هو اكتشاف أجهزة الأمن المصرية أن شركة «سياج» أعطت الحق للشركة الإسرائيلية في إدارة المشروعات علي الأرض المحددة للاستثمار، وأن من بين القائمين علي الشركة شخصيات وقيادات عسكرية إسرائيلية اشتركت في الحربين ضد مصر عامي 1967 و1973، وهو ما يشير إلي مخطط إسرائيلي لتملك أراض واسعة في سيناء لتكون عائقاً ضد تنميتها وتأكيد حماية الوجود الإسرائيلي علي الحدود مع مصر.. إلا أن هيئة المحكمين لم تلتفت لهذا الأمر باعتباره شقاً سياسياً لا يدخل في عمق القضية، واعتبرتها قضائية بالدرجة الأولي. وأوضحت المصادر أن سير المرافعات في غير صالح الطرف المصري دفع دفاع مصر في النهاية للتأكيد علي أنه لم يأخذ حقه في المرافعات كما أتيح لدفاع شركة سياج وأن هيئة التحكيم انحازت للمدعي ولم تكن عادلة، خاصة أن الطرف المصري دفع بعدم اختصاص المحكمة في السابق لكنها أصدرت حكمها بالاختصاص. وكشفت المصادر عن مفاجأة هي أن دفاع سياج استند إلي أربعة أحكام قضائية صادرة من مجلس الدولة لصالح وجيه سياج، وأن هذه الأحكام كانت حجة قوية أمام مركز التحكيم الدولي حتي أن المركز أصدر تقريراً هاجم الحكومة المصرية واتهمها بأنها «حكومة سلطوية لا تحترم أحكام القضاء».يذكر أن ممثل سياج في التحكيم كان المحكم الدولي الاسترالي «مايكل براريليس» ويدافع عنه المكتب الأمريكي «كينج إن سبولدنج» أما الجانب المصري فيمثله المحكم الدولي التشيلي «فرانشيسكو أوريجا ميتشونا» ويدافع عنه الدكتور أحمد كمال أبوالمجد وحازم روقانا من شركة «حلمي وحمزة وشركاؤهما» وهم الفرع المصري لشركة «بيكر آند ماكينزي» للمحاماة والتحكيم

الحكم هو ولايه الامر

الحكم في اللغة هو القضاء والحاكم منفذ الحكم وفي الاصطلاح فان الحكم والملك والسلطان بمعنى واحد وهو السلطة التي تنفذ الأحكام آو هو عمل الإمارة التي أوجبها الشرع على المسلمين وعمل الإمارة هذا هو السلطة التي تستعمل لدفع التظالم وفصل التخاصم أو بعبارة أخرى الحكم هو ولاية الامر
 

Thursday, 16 October 2014

- مهرجانات ومؤتمرات | بالصور،، مجلس المستشاريين العرب الدوليين يكرم "مجلة دايركشن ستارز" ..



/ جي جي محفوظ ,,


* قام رئيس مجلس المستشاريين العرب الدوليين للتدريب والتحكيم الدولي المستشار / ممدوح سلطان، بتكريم مجلس ادارة مجلة دايركشن ستارز (طارق إمام /جي جي محفوظ /علي ثابت) تعبيرا وتقديرا لاسهامتهم المتميزة والمحترمة في مجال الميديا واختيارات موضوعتهم الفعالة والتي تليق بالمواطن المصري واهتماماته ..

* اقيم الاحتفال بمتحف الحضارات بدار الاوبرا المصرية وبحضور عدد من الشخصيات العامة والفنانين والاعلاميين ومنهم : اللواء عبدالحميد خيرت، نائب رئيس جهاز امن الدولة السابق، والمستشار ناصر  السلاموني، والدكتور عبدالصبور فاضل، والدكتور عبدالعزيز عبدالله، والاستاذ علاء نصير، والدكتور وائل الطناحي والمهندس حسين مسعود وزير الطيران المصرى الأسبق والدكتور مسعد عويس نقيب المهن الرياضية السابق، والمستشار محمد فواز رئيس التحالف المدني لحقوق الانسان والفنانة هند عاكف والفنانة حنان شوقي والفنانة سمية الامام والفنان عبدالحميد سند والفنان خالد عبدالسلام تقديرا لهما و العالم المصرى دكتور مصطفى مجدى الصاوى (15 عام) اصغر باحث علمي مصري .. 

Wednesday, 15 October 2014

التحكيم بين علي ومعاوية رضى الله عنهما والحقيقه الغائبه فى امر التحكيم

بعد معركة صفين، والتي راح ضحيتها الكثير من القتلى والشهداء، والذين بلغ عددهم سبعين ألفًا من المسلمين على يد إخوانهم من المسلمين، وجد الصحابي الجليل سهل بن حنيف رضي الله عنه وأرضاه وهو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أن في قلوب بعض الناس شيئًا من القتال الذي حدث بينهم، فبعض الناس مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورغم قناعتهم بكونه أمير المؤمنين، وتجب البيعة له والطاعة التامة إلا أن في قلوبهم وأنفسهم حرج من قتلهم لإخوانهم من المسلمين، وكذلك من كان مع معاوية رضي الله عنه، فقال لهم سهل بن حنيف رضي الله عنه كلامًا في غاية الأهمية وينبغي أن ينتفع به المسلمون إلى يوم القيامة قال لهم: يا أيها الناس اتّهموا الرأي على الدين.
فهو يقصد أن بعض الناس ربما يكون لهم من الرأي ما يخالف الشرع، وتظن أن هذا الرأي هو الصائب، وهو السليم، ويحاول أهل الشرع إقناعهم بالرأي السليم، لكنهم لا يقتنعون بسهولة، أو ربما لا يقتنعون مطلقًا، يقول: فلقد رأيتُني يوم أبي جندل.
يقصد رضي الله عنه يوم الحديبية، حين عقد الرسول صلى الله عليه وسلم الصلح مع كفار مكة، وكان من بنود هذا الصلح أن من أتى من قريش، أو ممَن حالفهم مسلمًا ردّه المسلمون إلى قومه، ومَن أتى من المسلمين إلى قريش مرتدًا لا يردّوه إلى قومه، بل يقبلوه بينهم، فكان هذا شرطًا جائرًا، في نظر أغلب الصحابة، إذ كيف يعطون الدنية في دينهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان الكثير منهم يعتقد أن الصواب في غير ذلك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم متمسكًا بهذا الأمر، وكان هذا وحيًا من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم، واضطر المسلمون، مع عدم قناعتهم بهذا الرأي في قبول هذا الشرط المجحف- إلى الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والقبول بما رضي به صلى الله عليه وسلم.
واشتد على المسلمين يوم آخر، والذي يسميه سهل بن حنيف رضي الله عنه يوم أبي جندل، فبعد أن عُقد الصلح وتمّ، وكان الذي باشر عقد هذا الصلح من طرف المشركين حينئذ سهيل بن عمرو، والذي أسلم بعد ذلك، فجاء أحد المشركين، وأراد أن يدخل في الإسلام، وكان اسمه أبا جندل، وهو ابن سهيل بن عمرو، فقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما نبدأ به، ردّوه علينا.
فأعاده الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلن إسلامه إلى الكفار، فقال أبو جندل: يا رسول الله تردني إليهم يفتنوني في ديني؟!
وكان هذا الأمر صعبًا على المسلمين جميعًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ سيفه، وأعطاه لأبي جندل وقال له: إنما أنت رجل وهو رجل، يحرّضه على قتل أبيه.
ومع هذا كله كانت تلك الشروط، وهذه الأمور سببًا للفتح العظيم للمسلمين، فبعد صلح الحديبية بعام واحد دخل في الإسلام أعداد كبيرة كانت ضعف العدد الذي دخل في الإسلام قبل ذلك، وتضاعفت أعداد المسلمين بعد ذلك.
فيقول سهل بن حنيف رضي الله عنه: يا أيها الناس اتّهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتُني يوم أبي جندل، ولو أقدر لرددت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمره، ووالله ما حملنا سيوفنا على عواتقنا منذ أسلمنا لأمر يقطعنا إلا أسهل بنا إلى أمرٍ نعرفه، غير أمرنا هذا فإننا لا نسد منه خصمًا، إلا انفتح لنا غيره لا ندري كيف نبالي له.
فهذا سهل بن حنيف رضي الله عنه مع كل هذا التاريخ العظيم في الإسلام يخبر رضي الله عنه أنه منذ أسلم ما رفع سيفه لقتال إلا أوضح الله له أين الحق إلا هذا الأمر، فلم يتبين فيه الحق بوضوح، وكلٌّ يجتهد حسب ما يرى من الأمور، فكانت فتنة النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة.
وهذا عمار بن ياسر رضي الله عنه سُئل يوم صفين عن القتال: أهذا عهدٌ عهده رسول الله إليكم أم هو الرأي؟، فقال رضي الله عنه: لم يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا وأشار إلى القرآن.
فالقضية كلها تدخل في مجال الاجتهاد، فمن الصحابة رضي الله عنهم جميعًا من اجتهد فأصاب، فله أجران كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن معه، ومنهم من اجتهد فأخطأ كمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ومن معه..
وهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، قد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.
التحكيم
خشي عدد من عقلاء الطرفين من استمرار القتال حتى لا يهلك المسلمون، فيستغل الأعداء ذلك، ويستأصلوا الإسلام، فلا تقوم له بعد ذلك قَوْمة، وكان عقلاء الكوفة أسبق إلى الموادعة؛ فهذا الأشعث بن قيس الكندي لمَّا اشتد القتال يخطب في قومه أهل الكوفة في المساء خطبته التي قادت للصلح؛ فيقول:
"قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي، وما قد فني فيه من العرب، فوالله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قَطُّ.
ألا فليبلغ الشاهد الغائب، أنَّا إنْ نحن تواقفنا غدًا إنه لفناء العرب وضيعة الحرمات.
أما والله ما أقول هذه المقالة جزعًا من الحتف، ولكني رجل مسنّ أخاف على النساء والذراري غدًا إذا فنينا.
اللهم إنك تعلم أنى قد نظرت لقومي ولأهل ديني فلم آلُ، وما توفيقي إلا بالله".
فلما وصل الخبر معاوية بخطبة الأشعث فقال: أصاب ورب الكعبة، لئن نحن التقينا غدًا لتميلن الروم على ذرارينا ونسائنا، ولتميلنَّ أهل فارس على نساء أهل العراق وذراريهم، وإنما يبصر هذا ذوو الأحلام والنُّهى؛ اربطوا المصاحف على أطراف القَنَا.
قال صعصعة: فثار أهل الشام فنادوا في سواد الليل: يا أهل العراق، مَن لذرارينا إن قتلتمونا، ومن لذراريكم إن قتلناكم؟ اللهَ الله في البقية.
فأصبح أهل الشام وقد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح وقلدوها الخيل، والناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه، ورفع مصحف دمشق الأعظم تحمله عشرة رجال على رءوس الرماح، ونادوا: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم.
وأقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض وقد وضع المصحف على رأسه ينادي: يا أهل العراق، كتاب الله بيننا وبينكم.
فقال الأشعث لأمير المؤمنين: أجب القوم إلى كتاب الله؛ فإنك أحق به منهم، وقد أحب الناس البقاء وكرهوا القتال.
فقال عليٌّ رضى الله عنه: إن هذا أمر ينظر فيه.
وذكروا أن أهل الشام جزعوا فقالوا: يا معاوية، ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه، فأعدها جذعة، فإنك قد غمرت بدعائك القوم وأطمعتهم فيك.
فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص، وأمره أن يكلم أهل العراق؛ فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى: يا أهل العراق، أنا عبد الله بن عمرو بن العاص، إنها قد كانت بيننا وبينكم أمور للدين والدنيا، فإن تكن للدين فقد والله أعذرنا وأعذرتم، وإن تكن للدنيا فقد والله أسرفنا وأسرفتم، وقد دعوناكم إلى أمرٍ لو دعوتمونا إليه لأجبناكم، فإن يجمعنا وإياكم الرضا فذلك من الله؛ فاغتنموا هذه الفرجة.
وأمَّا الأشتر، فلم يكن يرى إلا الحرب؛ لأنه من أهل الفتنة، ولكنه سكت على مضضٍ، وذكروا أن الناس ماجوا وقالوا: أكلتنا الحرب، وقتلت الرجال، وثارت الجماعة بالموادعة[1].
إذن لا يَصِحُّ شيء مما ادَّعاه أهل الفتنة كذبًا من أن رفع المصاحف هو مكيدة من الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضى الله عنه، أشار بها على معاوية رضى الله عنه ليتفاديا انتصار جيش علي رضى الله عنه، ومن ثَمَّ أوسعا الصحابييْن الجليليْن سبًّا وقذفًا شنيعًا لا يرضاه الله سبحانه وتعالى.
لقد كان رفع المصاحف -في الحقيقة- عملاً رائعًا اشترك فيه العقلاء من الفريقين، وتُوِّج بموافقة أمير المؤمنين علي رضى الله عنه؛ إذ قال: "نعم بيننا وبينكم كتاب الله، أنا أولى به منكم"<a >[2].
وقد افترى الرواة الشيعة الكذَّابون، واختلقوا الكثير من الروايات الموضوعة لأهدافهم الخبيثة من طعن الصحابة رضوان الله عليهم، وتشويه الدين؛ فقد وضعوا روايات تُضَخِّم من عدد قتلى صفين، كما فعلوا في الجمل، وللأسف اهتم المؤرخون القدماء بجمع هذه الروايات حتى كادت الروايات الحقيقية تضيع وسط هذا الركام؛ فهذا الطبري شيخ المؤرخين -رحمه الله- يذكر حول صفين ما يقارب 107 روايات تصف أحداثها من البدء إلى النهاية، ويروي فيها للشيعي الكاذب أبي مخنف لوط بن أبي يحيى المتجرئ على الصحابة خمسًا وتسعين رواية[3].
وتم الاتفاق على التحكيم وبدأ كل فريق يختار من يخرج لهذ المهمة، ولم يكن في جيش معاوية رضي الله عنه أي اختلاف على من يتولّى أمر التحكيم، فاختاروا عمرو بن العاص رضي الله عنه، والذي كان بمثابة الوزير الأول لمعاوية رضي الله عنه في كل هذه الأحداث، وكان عمره رضي الله عنه في هذا التوقيت سبعة وثمانين سنة، فكان شيخًا كبيرًا من شيوخ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رضي الله عنه، إن كان قد اشتهر بشدة الذكاء، والحيلة فقد اشتهر أيضًا بالورع والتقوى، وكان رضي الله عنه كثير المحاسبة لنفسه، وهذا الأمر يخفيه الكثير من الكتاب المغرضين، ويظهرون عمرو بن العاص رضي الله عنه في صورة صاحب المكر، والخداع، والدهاء، ويكفيه فخرًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنه: "أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ"[4].
وفي الحديث الصحيح أيضًا: "عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ"[5].
أما جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما عُرض عليهم أن يخرج للتحكيم عبد الله بن عباس رفض القوم، وطالبوا بأن يخرج عنهم أبو موسى الأشعري، وذلك لأنه رفض الدخول في القتال من بداية الأمر مع يقينه أن عليًا رضي الله عنه على الاجتهاد، وكان رضي الله عنه قاضيًا للكوفة، واعتزل القتال، ولم يكرهه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخروج معه، وكان أبو موسي رضي الله عنه رجلًا تقيًا ورعًا فقيهًا عالمًا، وقد أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا لتعليم الناس أمور الإسلام، وكان مقربًا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولّاه أمر البصرة، وكان هذا أمرًا عظيمًا، ذلك لأن البصرة كانت تدير عمليات الفتوح في جنوب ووسط فارس، وظل رضي الله عنه فيها فترة كبيرة، وكان رضي الله عنه قائدًا لمعركة (تستر) الشهيرة التي حوصرت سنة ونصف، فهو رجل فقيه عالم قاض محنّك، غير ما أُشيع في الكتب من سذاجة، وبساطة، وسوء رأي نُسبَ إليه ليلصقوا به ما زعموه من كذب وزور في قضية التحكيم، وهو من هذا كله براء.
وتولّى رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ولاية الكوفة فترة طويلة، وكذلك في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ذهب إليه القوم في قريته التي كان معتزلًا فيه وقالوا له: إن الناس قد اصطلحوا.
فقال: الحمد لله.
فقالوا له: وقد جُعلت حكمًا.
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
وذلك لأن هذا الأمر أمر صعب، وشاق عسير أن يحكم بين طائفتين اقتتلا هذا القتال الشديد فترة كبيرة، ووافق رضي الله عنه على الذهاب معهم، حتى يتم التحكيم في هذه القضية الشائكة.
والتقى أبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في مكان (صفين)، وبدآ يفكران في كيفية إيجاد حلٍ لهذه المعضلة التي ألمّت بالمسلمين، فاتفقا ابتداءً على كتابة كتابٍ مبدئي يضع أسس التحكيم، ولن يكون هو الكتاب النهائي.
فبدأ أبو موسى يملِى الكتاب وعمرو بن العاص يسمع:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما قاضي عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
فقاطعه عمرو بن العاص قائلًا: اكتب اسمه، واسم أبيه، هو أميركم، وليس بأميرنا.
فقال الأحنف بن قيس: لا نكتب إلا أمير المؤمنين.
فذهبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذكروا ذلك له، فقال رضي الله عنه: امح أمير المؤمنين، واكتب: هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب.
وعمرو بن العاص رضي الله عنه باجتهاده مقتنع بعدم ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه للمؤمنين، وإلا ما قاتله، وكان ذلك خروجًا منه على طاعته، ولكن لم يبايعه، وكذلك أهل الشام، وفي اجتهاده أنه ليس أميرًا للمؤمنين.
وقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الأمر؛ حرصًا على جمع الكلمة، ووحدة الصف، وسعة صدرٍ منه رضي الله عنه وأرضاه.
فكتبوا: هذا ما تقاضي عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان أننا نزل عند حكم الله، وكتابه، ونحيي ما أحيا الله، ونميت ما أمات الله، فما وجد الحكمان في كتاب الله عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله، فالسنة العادلة الجامعة غير المتفرقة.
ثم ذهب كل من الحكمين إلى كل فريق على حدة، وأخذا منهما العهود والمواثيق أنهما أي الحكمان آمنان على أنفسهما، وعلى أهليهما، وأن الأمة كلها عونٌ لهما على ما يريان، وأن على الجميع أن يطيع على ما في هذه الصحيفة.
فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان.
وشهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق، وممن شهد هذا الاجتماع عبد الله بن عباس، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
وخرج الأشعث بن قيس، والأحنف بن قيس رضي الله عنهما، وهما من فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأ الأشعث بن قيس الكتاب على الفريقين، فوافق الجميع على هذا الأمر، وبدءوا في دفن الشهداء، والقتلى.
ويقول الزهري: كان يُدفن في كل قبر خمسون نفسًا لكثرة عدد القتلى والشهداء.
وبعد ذك بدأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتوجه بجيشه إلى الكوفة، وكان في يده بعض الأسرى من الشاميين فأطلقهم، وكذلك فعل معاوية رضي الله عنه وأرضاه حيث كان في يده بعض الأسرى من العراقيين فأطلقهم، وعاد كلٌّ إلى بلده.
تحكيم الرجال في دين الله
كان الأشعث بن قيس رضي الله عنه عندما قرأ الكتاب على جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرّ على فريق من بني تميم، وبعد أن قرأ الكتاب خرج له رجل يُسمّى عروة بن جرير من بني ربيعة من تميم، وقال للأشعث بن قيس رضي الله عنه: أتحكمون في دين الله الرجال؟!
فكان هذا الرجل يرى أن حكم الله واضح تمام الوضوح وأنه يجب أن يُقاتل فريق معاوية رضي الله عنه حتى النهاية، ويستنكر تحكيم عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري في أمرٍ واضح كهذا، ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث بن قيس، فغضب الأشعث بن قيس رضي الله عنه من هذا التصرف، وكاد أن يحدث الشقاق والخلاف، لولا أن تدخل الأحنف بن قيس وكبار القوم وأنهوا الأمر.
ومرّ الموقف في تلك اللحظة، لكن طائفة من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذت هذه الكلمة، وبدأت تتحدث بها وظنّتها صوابًا، وكان الكثير ممن ردد هذا الأمر من حفاظ القرآن الكريم، وشديدي الورع والتقوى، وممن يكثرون الصلاة بالليل والنوافل، فأخذوا هذه الكلمة وقالوا: أتحكمون في دين الله الرجال؟ وغضبوا لأمر التحكيم وقالوا: لا حكم إلا لله.
واستمرّ مسير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى وصل الكوفة، فسمع رجلًا يقول: ذهب علي ورجع في غير شيء. وفي هذا لوم له رضي الله عنه على أمر التحكيم.
فقال علي رضي الله عنه: لَلَذين فارقناهم خير من هؤلاء، ثم أنشأ يقول:
أَخُوكَ الَّذِي إِنْ أَحْرَجَتْكَ مُلِمَّةٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَبْرَحْ لِبَثِّكَ رَاحِمًا
وَلَيْسَ أَخُوكَ بِالَّذِي إِنْ تَشَعَبَتْ عَلَيْكَ أُمُورٌ ظَلَّ يَلْحَاكَ لَائِمًا
كلمة حق أريد بها باطل
عند وصول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الكوفة، كان عدد من يقول بهذه الكلمة: (لا نحكّم الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله)، وصل عددهم إلى اثني عشر ألف رجل، فكان شيئًا صعبًا عليه رضي الله عنه.
وكان من بين هذا العدد ثمانية آلاف يحفظون القرآن، وهؤلاء الحفظة كانوا طائفة في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقال لهم: القرّاء؛ لأنهم كانوا يكثرون من قراءة القرآن الكريم، ومن القيام والصيام، وكان أكثر من خرجوا مع هذه الطائفة من قرية تُسمّى (حروراء) وهم الذين عُرفوا في التاريخ بعد ذلك باسم الخوارج؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وقد تنبّأ بهذه الطائفة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فعند الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ".
وعند البخاري بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،ُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ"
قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟
قَالَ: "سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ"، أَوْ قَالَ: "التَّسْبِيد".
وفي البخاري ومسلم قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة".
والأحاديث في شأنهم كثيرة.
بعد ذلك ذهب إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ليحاورهم، ويجادلهم، ويردّهم بالتي هي أحسن فقال لهم: ماذا تأخذون علينا؟
فقالوا: انسلخت من اسم سماك الله به -يقصدون اسم أمير المؤمنين- ثم انطلقت، فحكّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
بداية اسم أمير المؤمنين هذا لم يسمّه الله تعالى به، وكان أول من سُمّي بهذا الاسم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان اعتراضهم أنه قَبِل أن يُقال من علي بن أبي طالب في أثناء كتابة صحيفة التحكيم، دون ذكر أمير المؤمنين، واعتراضهم الثاني على قبوله تحكيم الرجال في أمر الله تعالى، وأنه كان يجب أن يستمرّ القتال؛ لأن هذا هو أمر الله، ولا يصح على الإطلاق أن يقف القتال بناءً على رأي الحكمين.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا يدخل علي إلا من حمل القرآن.
فدخل عليه ثمانية آلاف، فأمسك بالمصحف، وأخذ يهزّه، فقالوا له: ماذا تفعل؟
فقال: إني أسأله.
فقالوا له: إنما هو مداد في ورق.
وعلي رضي الله عنه يشير بهذا الفعل إلى أن القرآن لن يقوم بذاته في فعل الأمور، ويقرر الأحكام، وينفذها، بل يقوم بذلك رجال قرءوا القرآن، واستوعبوه جيدًا، وبنوا آرائهم على حكمه.
وقال لهم علي رضي الله عنه: قال الله تعالى في كتابه في امراة ورجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا[النساء:35].
ثم قال لهم رضي الله عنه: فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من رجل وامرأة.
ثم قال لهم: أتنقمون عَلَيَّ أن محوت أمير المؤمنين، وكتبت علي بن أبي طالب، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءنا سهيل بن عمرو حين صالح قومه قريشًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم".
فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ"، ثم قال: "هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ".
فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ".
فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأنسب في هذا الوقت أن يتم الصلح، وإذا لم يتم الصلح إلا بهذا الأمر فلا بأس، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ثم قال علي رضي الله عنه: ويقول الله تعالى في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا[الأحزاب:21].
ومع هذا كله لم يرتدع القوم، ولم يرتدوا عن ما هم عليه، فأرسل لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حبرَ الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ"، ومن علماء المسلمين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في الملمات، وهي الأمور الصعبة العسيرة.
وذهب رضي الله عنه إلى القوم ليحاجهم، فلما دخل عليهم، وكان يرتدي حُلّة جديدة، فناظروه فيها، وقالوا له: ترتدي حلة عظيمة وجديدة؟!
فقال لهم: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ[الأعراف:32].
فقام رجل منهم يُسمّى ابن الكوى، وهو متحدث فصيح، وقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه؛ هو ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرف، وهو ممن نزل فيه، وفي قومه قوله تعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ[الزُّخرف:58]، فرُدّوهُ إلى صاحبكم، ولا تواضعوه كتاب الله.
فقال بعضهم: والله لنواضعنه، فإن جاء بحقٍ نعرفه تبعناه، وإن جاء بباطل لنكبتنّه بباطله.
فمكث فيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه ثلاثة أيام، يجادلهم ويجادلونه، ويحاورهم ويحاورنه.
وبعد جدال وحوار طويل وعميق قالوا: إنهم يأخذون على علي بن أبي طالب ثلاث نقاط.
1-أنه محا اسمه من الإمرة.
2- أنه حكّم الرجال في كتاب الله.
3- أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس، ورفض أن يوزع السبي والأموال.
أجاب عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن الأولى بما أجاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأجاب عن الثانية، وهي قولهم أنه حكّم الرجال في كتاب الله بآيتين من القرآن، وقال لهم: إن ذلك في القرآن.
فقالوا: وأين هو؟
قال الآية الأولى التي استشهد بها الإمام علي رضي الله عنه: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا[النساء:35].
والآية الثانية قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ[المائدة:95].
فلم يقرر الله عز وجل المقدار الذي يضحي به الرجل نظير قتله للصيد، وهو حُرُم، ولكنه ترك الأمر ليحكم به ذوو العدل من المسلمين، ويقررون الحكم لهذا الرجل.
وأجاب رضي الله عن النقطة الثالثة وهي قضية: أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس رفض أن يوزع السبي والأموال.
فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه مجاراةً لهم: قد كان من السبي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فإن قلتم أنها ليست بأم لكم فقد كفرتم، وإن استحللتم سبي أمهاتكم فقد كفرتم.
فلما دار هذا الحوار بين عبد الله بن عباس رضي الله عنه وبينهم على مدار ثلاثة أيام، رجع منهم أربعة آلاف، وتابوا على يديه، وكان منهم ابن الكوى هذا الرجل الذي ذكرناه قبل ذلك، وكان يحذّرهم من عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ولكن الله هداه وتاب عليه، وعاد من تاب معه إلى الكوفة، فكانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ..
أما الباقون الذين عاندوا ولم يرجعوا عن ما هم عليه فقد ظلوا يترددون على الكوفة، ويتردد عليهم رسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لإقناعهم، ولكن دون جدوى، ومع مرور الوقت، وقرب عقد المجلس الذي سوف يتم فيه التحكيم، بدأ هؤلاء يتعرضون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بما لا يليق، وخرجوا عن دائرة النقاش المهذب، وبدءوا بالسباب، والشتائم، وعلي رضي الله عنه يصبر عليهم، ويردّ عليهم بالتي هي أحسن تجنبًا للفتن، واستمرّ الوضع هكذا يزداد يومًا بعد يوم، حتى قام له رجل منهم، وهو يخطب فقال له: يا علي أشركت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
وتنادوا من كل جانب: لا حكم إلا لله.
فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه كلمة حق أًريد بها باطل.
ثم قال: إن لكم علينا ألا نمنعكم فيئًا ما دامت أيديكم معنا، وألا نمنعكم مساجد الله، وألا نبدأكم بقتال حتى تبدءونا.
ثم بدءوا يعرّضون بتكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقابله رجلٌ منهم يومًا وقال له: يا علي لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
فجعلوا أن تحكيم أبي موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في هذه القضية إشراكًا بالله.
فقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قول الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[الرُّوم:60].
ثم اعتزل هؤلاء القوم الكوفة بالكلية، ولجئوا إلى مكان يُسمّى النهروان، ومكثوا فيه، ولم يدخلوا الكوفة بعد ذلك، فلما رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن أمرهم بدأ يزيد، ويشكل خطورة على المسلمين بعث إليهم يقول لهم: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبيننا وبينكم ألا تسفكوا دمًا حرامًا، أو تقطعوا سبيلًا أو تظلموا ذميًّا - يهوديًا أو نصرانيًا - فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.
ومكث الخوارج في النهروان بعيدًا عن الكوفة، وفي هذا التوقيت كان جيش الشام مستقرًا دون خلاف مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
وجاء شهر رمضان سنة 37 هـ، فأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى دومة الجندل أربعمائة فارس، معهم أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأمّر عبد الله بن عباس على الصلاة.
وأرسل معاوية رضي الله عنه أربعمائة فارس إلى أرض دومة الجندل معهم عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان معهم من رءوس الناس عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وكان معهم أيضًا عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما، ولم يكن مع معاوية في القتال، ولكنه كان ممن اعتزل الفتنة، وإن كان يرى أن عليًا رضي الله عنه على الحق، وإنما كان حينئذٍ في الشام، فجاء مع الوفد الذي أرسله معاوية رضي الله عنه للتحكيم.
وقد تمّ اختيار دومة الجندل للتحكيم لأنها تقع في مسافة متوسطة بين الكوفة، والشام فهي على بعد تسع مراحل من كلٍ منهما، وفي غالب الأمر لم يحضر سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه هذا الاجتماع.
الحقيقة الغائبة في أمر التحكيم
من الأمور المحزنة التي يندى لها الجبين أن الذي اشتهر في أمر التحكيم تلك الرواية الشيعية الموضوعة المكذوبة المفتراة التي عمّت بها البلوى، وقد انتشرت تلك الرواية انتشارًا كبيرًا بعد انتهاء عصر الدولة الأموية، واشتداد شوكة الشيعة في عصر الدولة العباسية، بل ظلت هذه الرواية هي المنتشرة في كتبنا حتى الوقت المعاصر.
هذه الرواية الشيعية في هذا الأمر وضعها أبو مخنف لوط بن يحيى، والذي قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني: لوط بن يحيى أبو مخنف إخباري تالف لا يوثق به. وقال عنه الدارقطني: ضعيف. وقال عنه يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن عدي: شيعي محترق.
تقول الرواية: عن أبي مخنف أن عمرو بن العاص قال: إن هذا الأمر لا يصلحه إلا رجل له ضرس يأكل ويطعم، وكان ابن عمر فيه غفلة؛ فقال له ابن الزبير: افطن وانتبه. أي قل شيئًا حتى تأخذ الإمارة، فقال ابن عمر: لا والله لا أرشوا عليها شيئًا أبدًا. أي أنه أبى الإمارة.
فقال أبو موسى الأشعري: يا ابن العاص إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف، وتشاكت بالرماح، فلا تردنّهم في فتنة مثلها، أو أشد منها.
ويكمل أبو مخنّف كذبه فيقول: ثم إن عمرو بن العاص حاور أبا موسى أن يقرّ معاوية وحده على الناس، فأبى عليه، ثم حاوره ليكون ابنه عبد الله بن عمرو، هو الخليفة فأبى أيضًا، وطلب أبو موسى من عمرو أن يكون عبد الله بن عمر، هو الخليفة فامتنع عمرو أيضًا، ثم اصطلحا على أن يخلعا معاوية، وعليًا ويتركا الأمر شورى بين الناس يتفقوا على من يختارونه لأنفسهم، ثم جاء إلى المجمع الذي فيه الناس، وكان عمرو بن العاص لا يتقدم بين يدي أبي موسى، بل يقدّمه في كلّ الأمور أدبًا وإجلالًا.
فقال له: يا أبا موسى قمْ فأعلم الناس بما اتفقنا عليه، فخطب أبو موسى الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر أمرًا أصلح لها، ولا ألم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه، وهو أن نخلع عليًا ومعاوية، ونترك الأمر شورى، وتستقبل الأمة هذا الأمر، فيولى عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت عليًا، ومعاوية ثم تنحى.
وهناك روايات أكثر كذبًا تقول أنه قال: خلعته كما أخلع خاتمي من إصبعي، أو سيفي من عاتقي.
وجاء عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
إن هذا- يقصد أبا موسى الأشعري- قد قال ما سمعتم، وإنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه، وأثبتُّ معاوية بن أبي سفيان، فإنه ولي عثمان بن عفان، والطالب بدمه، وهو أحق الناس بمقامه.
وتكمل الرواية الشيعية الكاذبة:
فلما حدث هذا وثب شريح بن هانئ من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضربه بالسوط، فقام إليه ابنُ عمرو بن العاص، وضربه بالسوط، وتفرّق الناس في كل وجه إلى بلادهم.
فذكر أبو مخنف عن أبي حباب الكلبي أن عليًا لما بلغه ما فعل عمرو بن العاص كان يلعن في قنوته معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبا الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، والضحاك بن قيس، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والوليد بن عقبة، فلما بلغ ذلك معاوية كان يلعن في قنوته عليًا، وحسنًا، وحسينًا، وعبد الله بن عباس، والأشتر النخعي.
وهذا كله كذب، وافتراء من أبي مخنف على صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: ولا يصح هذا.
هذه الرواية غير موافقةٍ للنقل، وغير موافقة للعقل.
أما النقل أو علم الرجال فيقول:
إن لوط بن يحيى هذا شيعي كاذب ضال يضع الأحاديث والروايات، ويفتري على الصحابة ما لم يحدث، فكل ما يأتي من قبله إن لم يوافق الحق، فهو كذب، وباطل.
أما أن هذه الرواية غير موافقة للعقل، فإن سياق الكلام لا يستقيم، لأن الحكمين كما جاء في تلك الرواية، اتفقا على خلع علي ومعاوية.
فمن أي شيءٍ يُخلَع معاوية، وهو رضي الله عنه لم يَدّع أنه خليفة للمسلمين، ولم يدّع أنه أمير المؤمنين، ولم يكن القتال على إمرة، ولم يقل أحد من الطرفين أن معاوية رضي الله عنه في هذا الوقت أمير المؤمنين.
الأمر الثاني: سياق القصة يؤكد كذب عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولا يُعدّ هذا خداعَ حربٍ، بل هو كذبٌ بيّن، ولا يصح هذا في حق عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فقد يُتهم المؤمن بالجبن، وبالبخل، أما الكذب فلا، وخاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد له بالإيمان فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمرُو بْنُ الْعَاصِ.
فلا يصح على الإطلاق أن نقول عن رجل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان أنه كاذب كما في هذه الرواية.
الأمر الثالث: أن المسلمين ليسوا في منتهى البلاهة، والعجز حتى تنطوي عليهم هذه اللعبة الصبيانة المزعومة من عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، وهو منها براء، ولو صح لوقف أبو موسى الأشعري وقال: إن هذا الكلام كذب حتى لا يتم الاتفاق.
الأمر الرابع: اتفق الجميع على أن هذا الأمر الذي تمّ بين الحكمين كان مشهودًا من مجموعة من رءوس الناس، وأعيانهم منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير، والمغيرة بن شعبة، والأحنف بن قيس، وهؤلاء جميعًا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فأين هم إذن بعد أن قام عمرو بن العاص- كما يزعم الكذابون- وقال ما ينسبونه إليه.
بين الحَكَمَيْن
بعد مشاورات كثيرة، ومحاورات، واختلاف في الرأي على أساس القضية، فكان أبو موسى الأشعري يؤيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أنه تجب له البيعة من معاوية، ومن معه، وبعد أن تستقر الأمور يُؤخذ الثأر من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولكن عمرو بن العاص طالب بقتلهم أولًا، أو تسليمهم إليهم ليقتلوهم، وبعدها يبايعون، فلما تحدثا في هذا الأمر كثيرًا، ولم يصلا إلى شيءٍ، اتفقا على يُترك أمر تحديد الخلافة إلى مجموعة من الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وهم أعيان وكبار الصحابة، وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأنه من السابقين الأولين، ولا يكون فيهم معاوية بن أبي سفيان، ولا عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ لأنهما ليسا من السابقين، ويُستعان برأيهما إن رأى القوم أن يستعينوا برأيهما، وإن لم يروا فلا يستعينوا برأيهما.
واتفقوا بحضور الشهود على أن يكون هذا الاجتماع في العام المقبل في دومة الجندل، وذلك بعد أن يذهب هؤلاء الأعيان، ويتباحثون في الأمر ويرون الأولى به، وقد يكون الأولى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الأقرب إلى الاحتمال، خاصة، وأن هذه المجموعة هي التي اختارت عليًا رضي الله عنه ابتداءً، وليس عندهم اعتراض على شخصيته، ولكن عمرو بن العاص رأى أنه ربما تغيّرت الآراء بعد ما جرى من أحداث.
وإلى أن يحين موعد هذا الاجتماع يحكم كلٌ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ما تحت يده في الدولة الإسلامية، وبعد تعيين الخليفة الجديد على الجميع أن يطيع الخليفة الجديد سواءً رأى قتل قتلة عثمان أولًا أو رأى تأخير ذلك.
ومن الواضح أن الحكم في ظاهره لصالح علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خاصة وأن معاوية وعمرو بن العاص قد خرجا من الأمر تمامًا، ولم يكن لهما رأي في اختيار الخليفة الجديد.
وتفرق المسلمون على هذا الأمر، وهم راضون تمامًا حتى يجتمع كبار الصحابة لتحديد الخليفة، ولما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه رضي به، وكذلك عندما وصل إلى معاوية رضي الله عنه.
لكن الرواية الشيعية الكاذبة تقول: إن عليًا لما بلغه هذا الأمر غضب، وجهّز الجيوش لمحاربة معاوية ومن معه، وهذا ما لم يحدث على الإطلاق.